.png)
المستشار أمجد علي الخضر
تحليل قانوني مفصل لمسألة جواز استئناف حكم عدم قبول الدعوى بسبب شرط التحكيم وفق عقود الفيديك والقوانين الدولية والعربية والفلسطينية
مقدمة:
عندما يُبرم عقد بناء بموجب عقود الفيديك (FIDIC)، غالبًا ما يتضمن بند تحكيم ينص على إحالة النزاعات إلى التحكيم بدلاً من القضاء. إذا لجأ أحد الأطراف إلى المحكمة بدلًا من التحكيم، يمكن للطرف الآخر الدفع بعدم اختصاص المحكمة لوجود شرط تحكيم. والسؤال هنا: هل يجوز استئناف حكم المحكمة بعدم قبول الدعوى بسبب وجود شرط التحكيم؟
أولًا: موقف القانون من استئناف حكم عدم قبول الدعوى بسبب شرط التحكيم
المبدأ العام في الأنظمة القانونية الدولية والعربية
- معظم القوانين، بما فيها قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 وتعديلاته 2006، وكذلك قوانين التحكيم الوطنية، تعتبر شرط التحكيم ملزمًا للأطراف.
- المادة 8 من قانون الأونسيترال النموذجي تنص على أن المحكمة يجب عليها إحالة النزاع إلى التحكيم ما لم يكن شرط التحكيم باطلًا أو غير قابل للتنفيذ.
- وفقًا لمبدأ الاختصاص بالاختصاص (Competence-Competence)، يحق لهيئة التحكيم تقرير اختصاصها حتى لو لجأ أحد الأطراف إلى المحكمة.
موقف قوانين الدول العربية والفلسطينية:
- معظم القوانين العربية تُلزم المحاكم برفض أي دعوى يُرفع بشأنها دفع بعدم الاختصاص لوجود شرط تحكيم، إلا في حالات استثنائية.
- المادة 9 من قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 تنص على أنه إذا كان هناك اتفاق تحكيم، فعلى المحكمة أن تحكم بعدم قبول الدعوى.
النتيجة:
لا يجوز للمقاول (المدعي) استئناف الحكم لمجرد أنه رفع دعوى أمام المحكمة قبل اللجوء إلى التحكيم، لأن المحكمة طبقت شرط التحكيم الملزم وأحالت النزاع للتحكيم وفقًا للقانون.
ثانيًا: الحالات التي يجوز فيها استئناف حكم المحكمة بعدم قبول الدعوى بسبب شرط التحكيم
يحق للمقاول الاستئناف في بعض الحالات الخاصة، وهي:
إذا كان شرط التحكيم باطلًا أو غير قابل للتنفيذ:
- يمكن الطعن بأن شرط التحكيم غير صحيح أو غير قابل للتنفيذ بسبب عدم وضوحه أو كونه مخالفًا للقانون.
- مثال: إذا كان العقد ينص على تحكيم إجباري أمام هيئة تحكيم غير موجودة أو غير قادرة على العمل.
- المرجع: المادة 8(1) من قانون الأونسيترال النموذجي، وكذلك اتفاقية نيويورك لعام 1958، المادة الثانية.
إذا لم يكن النزاع مشمولًا بشرط التحكيم:
- بعض النزاعات لا يشملها شرط التحكيم، مثل النزاعات الناشئة عن الغش أو الإخلال الجسيم بالعقد، والتي قد تخضع لاختصاص المحاكم.
- المرجع: قرار محكمة النقض المصرية رقم 1073 لسنة 72 قضائية، والذي أكد أن المحاكم تظل مختصة إذا كان النزاع غير مشمول باتفاق التحكيم.
إذا كان هناك تنازل عن شرط التحكيم:
- إذا بدأ الطرف الآخر في المشاركة في إجراءات المحكمة دون إثارة الدفع بعدم الاختصاص بسبب شرط التحكيم، قد يُعتبر ذلك تنازلًا ضمنيًا عن التحكيم.
- المرجع: حكم محكمة التمييز في دبي (القضية رقم 269 لسنة 2019)، والذي قضى بأن المشاركة في إجراءات المحكمة دون الاعتراض تعني تنازلًا عن شرط التحكيم.
إذا كان تنفيذ شرط التحكيم مستحيلًا:
- إذا كانت هيئة التحكيم المحددة في العقد قد توقفت عن العمل، أو أن القانون الساري يمنع تنفيذ التحكيم.
- المرجع: المادة 6 من اتفاقية نيويورك لعام 1958.
إذا تم البت في القضية أمام المحكمة أولًا قبل تقديم الدفع بالتحكيم:
- إذا أصدرت المحكمة قرارًا موضوعيًا في النزاع قبل الدفع بعدم الاختصاص، قد يُعتبر شرط التحكيم غير صالح للتنفيذ في هذه الحالة.
- المرجع: المادة 8(3) من قانون التحكيم الفرنسي، والتي تمنع إحالة النزاع إلى التحكيم بعد البت فيه قضائيًا.
ثالثًا: موقف الفيديك من النزاع بين التحكيم والتقاضي
عقود الفيديك تنظم آلية التحكيم في النزاعات الهندسية بشكل دقيق، وعادة ما تتضمن المراحل التالية:
التفاوض الودي بين الأطراف.
اللجوء إلى مجلس تسوية النزاعات (DAB).
التحكيم وفق قواعد غرفة التجارة الدولية (ICC) أو هيئة تحكيم معتمدة أخرى.
إذا كانت العقود تتضمن شرط تحكيم، فإن الفيديك يُلزم الأطراف بالتحكيم، ويمنع اللجوء إلى المحاكم إلا في الحالات الطارئة مثل:
- طلب تدابير تحفظية عاجلة.
- حالات الغش أو الفساد في العقد.
- نزاعات تتعلق بالمسؤولية الجنائية.
الخلاصة النهائية
لا يحق للمقاول استئناف حكم عدم قبول الدعوى لمجرد أنه رفع الدعوى قبل التحكيم، لأن شرط التحكيم ملزم ويجب احترامه.
يمكن الاستئناف فقط في حالات استثنائية، مثل بطلان شرط التحكيم أو عدم شموله للنزاع أو استحالة تنفيذه.
عقود الفيديك تحكم النزاع وتعطي الأولوية للتحكيم، مما يؤكد صحة قرار المحكمة بعدم قبول الدعوى.
النصيحة القانونية:
قبل اللجوء إلى المحكمة في عقود الفيديك، يجب على الأطراف التأكد مما إذا كان النزاع خاضعًا للتحكيم أم لا، وذلك لتجنب رفض الدعوى وخسارة الوقت والتكاليف.
المراجع القانونية:
- قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم (1985 - 2006) – المادة 8.
- قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 – المادة 9.
- اتفاقية نيويورك 1958 – المادة 2 والمادة 6.
- قرارات محكمة التمييز في دبي ومحكمة النقض المصرية حول بطلان شرط التحكيم.
- شروط الفيديك 1999 و2017 المتعلقة بالتحكيم وتسوية النزاعات.