.png)
المستشار وديع نوفل
التحكيم في المنازعات العمالية، مصلحة اجتماعية وإنسانية
الأصل أن الاختصاص في المنازعات العمالية ينعقد للقضاء، والاستثناء هو اللجوء إلى التحكيم، ولا يعني الاستثناء هو انتقاص من القيمة القانونية لحكم التحكيم إنما هو ما نظمه وأقره المشرع بشكل عام، وحيث أن القضاء النظامي فيه قصور جدي وحقيقي، تتحمل فيه كل من السلطة التشريعية والقضائية على حد سواء المسؤولية الفعلية.
فالسلطة التشريعية لم تخصص محاكم عمالية خاصة للنظر في المنازعات العمالية على وجه التخصيص أسوة ومقارنة بباقي الدول، كما أن التقاضي أمام المحاكم يشوبه الكثير من الانتقاد والملاحظات حول طول الإجراءات وتكدس القضايا العمالية بدون معالجة المنازعات العمالية بمجملها ضمن مسألة الوقت والحاجات والمتطلبات الأساسية التي تستدعي العامل اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقه العمالية من رب العمل.
ولما كان العامل يحصل على قوت يومه بعمله اليومي أولا بأول وفي الغالب يكاد يساير غلاء المعيشة المتصاعد يوما بعد يوم نتيجة ارتفاع الأسعار وتدني الأجور، وعدم الاستقرار المحلي والدولي، ولما كان التحكيم يختصر الزمن بجهد مضاعف لتحقيق أقصى سرعة ممكنة، وإمكانيات أقل تكلفة من الإمكانيات التي يلجأ إليها القضاء، وإجراءات مختصرة يصطدم الأمر بحظر التحكيم في المنازعات العمالية الفردية لتعلقها بالنظام العام.
ولما كان قانون العمل يفاضل بين أي القوانين والطرق أفضل للعامل لتحصيل حقوقه العمالية، فالأجدر أن يترك القاضي حرية اللجوء للتحكيم في منازعات العمل الفردية لإرادة الطرفين، كما فعل المشرع حيث لم ينص تحديدا على منع العامل من اللجوء للتحكيم أو قاضيه الطبيعي، وإنما حملها للنظام العام، ومن باب التفاضل أي الوسائل أفضل للعامل، فإن ترك الأمر للعامل أن يقرر بشأن اللجوء للتحكيم من عدمه، أعتقد مسألة فيها نظر.
وأنا أؤيد عدم التوسع في مفهوم النظام العام على إطلاقه، طالما أن في ذلك مصلحة اجتماعية وإنسانية ذات قيمة دستورية كفلها القانون بالحماية وفق مبدأ حرية التقاضي، والحق في اللجوء إلى قاضي عادل.