
دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية
قضية Sorelec ضد ليبيا:
بين سلطان التحكيم وسلطة النظام العام الدولي
تحليل قانوني لقرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 2022
مقدمة
تشكل قضية Sorelec ضد دولة ليبيا محطة مفصلية في مسار تطور العلاقة بين التحكيم الدولي ورقابة القضاء الوطني في فرنسا، لاسيما في نطاق تطبيق مبدأ النظام العام الدولي.
تثير هذه القضية جملة من الأسئلة القانونية الدقيقة، حول مدى سلطة القاضي الوطني في فحص أحكام التحكيم، وما إذا كانت قواعد الأمانة والشفافية في المعاملات تشكل قيدًا فوق إرادة الأطراف وهيئة التحكيم.
خلفية النزاع
في عام 2003، وقعت شركة Sorelec الفرنسية اتفاقًا مع الحكومة الليبية لتسوية النزاع حول تنفيذ عقد إنشاء.
لاحقًا، لجأت الشركة إلى التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية (ICC)، استنادًا إلى معاهدة حماية الاستثمارات بين فرنسا وليبيا.
في سياق التحكيم، تم تقديم بروتوكول تصالحي لاعتماده ضمن حكم تحكيم جزئي، صدر بتاريخ 20 ديسمبر 2017، وقضى بإلزام ليبيا بسداد مبلغ معين مع فوائد.
إلا أن ليبيا، في مواجهة تنفيذ الحكم في فرنسا، دفعت بأن البروتوكول بني على وقائع فساد، مما يشكل خرقًا للنظام العام الدولي الفرنسي.
محكمة الاستئناف في باريس أصدرت حكمًا بإبطال الحكم التحكيمي الجزئي، وهو ما طعنت عليه شركة Sorelec أمام محكمة النقض الفرنسية.
المسائل القانونية المثارة
أولًا: هل يمكن للقاضي الوطني فحص وقائع الفساد رغم عدم إثارتها أمام هيئة التحكيم؟
أجابت محكمة النقض بالإيجاب، مؤكدة أن حماية النظام العام الدولي الفرنسي لا تُقيدها الدفوع الشكلية، ولا يُشترط أن يكون موضوع الفساد قد طُرح سابقًا أمام هيئة التحكيم.
فالغاية هي حماية النظام القانوني الفرنسي من إقرار أو تنفيذ أي حكم قد يستند إلى تصرفات مخالفة للأخلاق العامة أو مبادئ الشفافية.
ثانيًا: هل يشكل فحص القاضي الوطني لموضوعية عناصر الفساد تجاوزًا لصلاحياته كقاضي للتحكيم؟
أوضحت محكمة النقض أن سلطة القاضي الوطني عند النظر في الطعن بالبطلان -استنادًا إلى مخالفة النظام العام الدولي- تشمل التحقق الموضوعي من صحة الادعاءات المثارة، ولو استلزم ذلك بحثًا موضوعيًا لعناصر الوقائع.
فهو ليس بصدد إعادة نظر في النزاع الموضوعي ذاته، بل يحرس النظام القانوني الوطني.
ثالثًا: هل يعتبر التزام الدولة بعدم إثارة الفساد أمام هيئة التحكيم بمثابة تنازل عنها أمام القاضي الوطني؟
رفضت محكمة النقض هذا المنطق، معتبرة أن مبادئ النظام العام لا تسقط بالتقادم الإجرائي، ولا تُقيد بسلوك أحد الأطراف.
الأثر القانوني للحكم
يمثل هذا القرار ترسيخًا لنهج محكمة النقض الفرنسية في الانتصار لمبادئ:
-
النزاهة في المعاملات الدولية؛
-
وضرورة تحصين النظام القانوني الفرنسي من أي محاولة لإقرار نتائج مترتبة عن اتفاقات صورية أو فاسدة.
كما يُعزز دور القضاء الفرنسي كـ قاضي مراقبة النظام العام في مواجهة أحكام التحكيم، حتى وإن كانت تلك الأحكام صادرة عن هيئات تحكيم دولية رفيعة المستوى مثل ICC.
انعكاسات على ممارسات التحكيم الدولي
قضية Sorelec ضد ليبيا تشكل جرس إنذار للأطراف وهيئات التحكيم بشأن:
-
ضرورة التحقيق الجاد في ظروف إبرام التسويات أثناء التحكيم؛
-
وتجنّب الانسياق وراء بروتوكولات صلح قد تخفي وراءها ممارسات مخالفة للنزاهة.
كما أنها تكرّس فكرة أن التحكيم الدولي ليس فضاءً معزولًا عن مبادئ النظام العام للدول التي تُنفذ فيها الأحكام.
خلاصة
قضية Sorelec ضد ليبيا أكدت من جديد أن قوة التحكيم الدولي تظل رهينة احترام أسس العدالة والشفافية.
كما عززت سلطة القضاء الوطني في مراقبة مدى توافق أحكام التحكيم مع مبادئ النظام العام الدولي.
وهي تُعدّ مرجعًا هامًا لكل من:
-
الممارسين في مجال التحكيم؛
-
الأطراف المتعاقدة؛
-
والقضاة الوطنيين؛
في كيفية تحقيق التوازن بين استقلالية التحكيم وصيانة النظام العام.