دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية
التحكيم كأداة استراتيجية لحماية وتشجيع الاستثمار
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه مناخ الاستثمار في العديد من الدول، برز التحكيم كوسيلة قانونية بديلة توفر للمستثمرين بيئة أكثر استقرارًا وحيادية لحسم النزاعات. وقد أكدت الدراسة التحليلية "التحكيم وسيلة لحماية وتشجيع الاستثمار" على أهمية إدماج التحكيم في البنية التحتية القانونية كعامل جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، خصوصًا في الدول النامية.
أولًا: التحكيم كضمانة أمن قانوني للمستثمر
من أهم الأسباب التي تدفع المستثمر إلى اختيار دولة دون غيرها هو وجود ضمانات قانونية تحمي استثماره. يوفر التحكيم تلك الضمانات عبر:
-
الحياد: من خلال إخراج النزاع من يد القضاء المحلي، ما يمنع أي تأثير سياسي أو إداري على القرار.
-
السرعة: الإجراءات التحكيمية أكثر اختصارًا من المحاكم، ما يقلل من زمن الحسم.
-
المرونة: إمكانية اختيار القانون الواجب التطبيق، ولغة التحكيم، وهيئة التحكيم.
ثانيًا: الإطار الشرعي والقانوني للتحكيم في حماية الاستثمار
توضح الدراسة أن التحكيم له جذور راسخة في الشريعة الإسلامية التي أقرت مبدأ "التحكيم بين الناس"، مما يمنحه قبولًا مجتمعيًا وقانونيًا في الدول ذات المرجعية الإسلامية.
أما على الصعيد القانوني الدولي، فإن التحكيم يستند إلى:
-
اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
-
اتفاقيات الاستثمار الثنائية (BITs) التي تنص صراحة على اللجوء إلى التحكيم.
-
القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (الأونسيترال) كنموذج تشريعي للدول الراغبة في تحديث قوانينها.
ثالثًا: التحكيم المؤسسي والاستثمار
تلعب مراكز التحكيم الدولية دورًا مهمًا في طمأنة المستثمرين، مثل:
-
المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSID.
-
غرفة التجارة الدولية ICC.
-
مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري.
وتبرز هنا أهمية وجود مراكز وطنية مثل دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية التي تُمثل ذراعًا وطنيًا للمستثمر المحلي والأجنبي، وتقدّم خدمات تحكيم احترافية تتماشى مع المعايير الدولية.
رابعًا: نصائح وتوصيات
تحذر الدراسة من تحويل التحكيم إلى أداة ضارة إذا لم يُصغ جيدًا في العقود، أو إذا أُسند إلى محكمين غير مختصين. من هنا، تأتي التوصيات التالية:
-
صياغة دقيقة لبنود التحكيم في العقود الاستثمارية.
-
اختيار محكمين متخصصين في منازعات الاستثمار.
-
إشراك المراكز الوطنية الموثوقة في صياغة ومتابعة العقود.
-
نشر ثقافة التحكيم بين المستثمرين المحليين والدوليين.
الخلاصة:
لم يعد التحكيم خيارًا ثانويًا، بل أصبح ركيزة أساسية في منظومة حماية وتشجيع الاستثمار. والمطلوب من الدول الطامحة إلى استقطاب الاستثمارات، ليس فقط سن القوانين، بل تهيئة بيئة مؤسسية تحكيمية متطورة، والترويج للتحكيم كمكسب وطني يعزز ثقة المستثمر ويقلل مخاطر الدخول في نزاعات طويلة الأمد.