.png)
المحامية رفيف حمارشة
التحكيم في المنازعات العمالية في فلسطين:
إن قانون العمل الفلسطيني أجاز بنصوص صريحة التحكيم في عقود العمل الجماعية ونستنتج ذلك من خلال استقراء نصوص المواد (2/63)، (64) في قانون العمل الفلسطيني، والتي أجاز المشرع من خلالها التحكيم في عقود العمل الجماعية، إما فيما يتعلق بعقود العمل الفردية.
إن المشرع الفلسطيني لم يأتِ بنص واضح وصريح يحسم مدى جواز اللجوء للتحكيم في منازعات العمل الفردية، إلا أنه بعد استقراء نص المادة (2) من قانون التحكيم الفلسطيني نجد أن هذا النص يقر قاعدة عامة تفيد بجواز اللجوء إلى التحكيم في جميع الحقوق التي يملك الشخص التصرف بها، إلا أن المشرع قد جاء باستثناءات مذكورة على سبيل الحصر التي تمثلت بنص المادة (4) من قانون التحكيم الفلسطيني " لا تخضع لأحكام هذا القانون المسائل الآتية: 1- المسائل المتعلقة بالنظام العام في فلسطين. 2- المسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانوناً. 3- المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية".
وبما أن التحكيم يُمنع في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وإن نص المادة (6) من قانون العمل الفلسطيني جعل حقوق العمال خاضعة للنظام العام الاجتماعي بحيث لا يجوز التنازل عنها، وبالتالي يمكننا القول أن التحكيم أمر غير جائز في المسائل المتعلقة في قانون العمل، إلا أنه في هذه المسألة يجب التفريق بين حالتين:
الحالة الأولى: شرط التحكيم فهذا الشرط يقع باطلاً لأن العامل يمثل الطرف الضعيف بالنسبة لرب العمل فيقبل بهذا الشرط من أجل حصوله على فرصة عمل، ويكون من الصعب عليه مناقشة رب العمل في الشروط التي تم إيرادها بالعقد، ومن جهة أخرى إن سلطة المحكمة لا تستطيع فصل المسائل التي فصلت فيها هيئة التحكيم، إنما تتوقف صلاحياتها على الأمور الشكلية والإجرائية، وبالتالي فمتى كانت شكليات وإجراءات التحكيم صحيحة قبلت المحكمة ذلك وإلا فسخته، وعند نظر المحكمة فقط على شكلية قرار التحكيم دون النظر إلى مضمون القرار من الممكن أن تخالف النظام العام عندما يكون قرار التحكيم يمس مصلحة العامل، حيث إن تنازل العامل عن حقوقه وتوقيعه على المخالصات، حيث أقر الاجتهاد القضائي عدم الاعتياد بها.
ودعماً لهذا الرأي قضت محكمة النقض الفلسطينية بحكمها الصادر في 25-10-2021م "قضي بقبول الطعن موضوعاً واعتبار شرط التحكيم في قضايا العمالية غير وارد نتيجة بطلان ذلك الشرط، وعلى أن تنظر محكمة الاستئناف في الاستئنافين أصولاً وبحث أسبابهما…" .
إلا أنه إذا ورد شرط التحكيم في عقد العمل وبعد إنهاء عقد العمل تمسك العامل بهذا الشرط وطلب اللجوء إلى التحكيم يكون هذا الشرط شرطاً صحيحاً وذلك بسبب تمسك العامل به وهذا ما تم استنتاجه من قرار محكمة استئناف القدس الصادر في 26-11-2015 والذي قضى "وعليه فإننا نرى بأنه وبناءً على طلب طرفي الخصومة بعد إقامة الدعوى بحالة النزاع للتحكيم رغم تحفظنا على قانونية شرط التحكيم من حيث المبدأ في عقود العمل، إلاّ أن تمسك المدعي العامل به بعد انتهاء عقد العمل هنا يؤدي إلى إعمال (شرط التحكيم)…".
الحالة الثانية: مشارطة التحكيم، إذا تم إيراد مشارطة التحكيم أثناء سريان عقد العمل أو أثناء توقيع عقد العمل ما ورد بشأن شرط التحكيم وما طبق عليه يطبق أيضاً على مشارطة التحكيم وبالتالي تكون باطلة، وفي هذا الصدد جاء حكم محكمة صلح رام الله الصادر(27/2/2014)، "وعليه فإن محكمة صلح رام الله ميزت بين مشارطة التحكيم وشرط التحكيم، واعتبرتهما باطلين إذا ما كانت العلاقة العمالية قائمة بين العامل ورب العمل لأنهما يكونان متعلقان بالنظام العام على اعتبار أن العامل يكون تابعاً لرب العمل وبالتالي خاضع لإرادته، وقد يرضخ لإرادة صاحب العمل في اللجوء إلى التحكيم كي لا يخسر عمله، أما إذا كانت العلاقة بين العامل ورب العمل منتهية واتفقا على اللجوء إلى التحكيم لفض النزاع القائم بينهما فإن مشارطة التحكيم في هذه الحالة لا تكون متعلقة بالنظام العام لأن العامل لا يكون مجبراً على الرضوخ إلى رغبة رب العمل في اللجوء إلى التحكيم، وبالتالي فإن اتفاق التحكيم يكون صحيحاً".