
دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية
صياغة شرط التحكيم – من العبارة الإنشائية إلى النصّ الفقهي القابل للتنفيذ
مقدمة: حين تصنع الكلمات مستقبل النزاع
ليست كل عبارة تشير إلى التحكيم تُعد شرطًا تحكيميًا.
التحكيم لا يُنشأ بـ “نية التفاهم”، بل بنصّ مُحكم، مُفصَّل، غير غامض، قابل للتنفيذ.
أخطر ما يواجه العقود اليوم هو ما يُعرف بـ “شرط التحكيم القابل للانهيار” – أي صياغة تحتوي على نية التحكيم، دون أدواته الفقهية أو الإجرائية.
وهنا تتجلّى أهمية تحويل بند التحكيم من جملة أدبية إلى نصّ تشريعي مصغّر، يواجه القانون، والقضاء، والواقع.
أولًا: تعريف شرط التحكيم وتمييزه عن مفاهيم قريبة
شرط التحكيم هو:
"اتفاق مكتوب يُدرج ضمن عقد أصلي، يتعهّد فيه الطرفان بإحالة كل نزاع ناشئ عنه إلى التحكيم بدلاً من القضاء."
ويُفرّق عنه:
-
اتفاق التحكيم المنفصل (Submission Agreement): يُوقّع بعد نشوء النزاع.
-
الشرط التوفيقي: يُشير إلى رغبة في التفاهم أو الوساطة، لا الإحالة الملزمة إلى التحكيم.
-
شرط الاختصاص القضائي: يُعيّن محكمة معينة، لا هيئة تحكيم.
-
ثانيًا: العناصر الجوهرية لشرط التحكيم النموذجي
-
إرادة لا لبس فيها للإحالة إلى التحكيم:
– “يتّفق الطرفان على إحالة أي نزاع ينشأ عن هذا العقد إلى التحكيم…”
– يجب تجنّب صيغ مثل: “يجوز للطرفين…” -
تحديد الجهة التحكيمية:
– مركز تحكيم محدد (ICC، DIAC، دار الوساطة...)
– أو تحكيم حر مع آلية تعيين المحكمين -
عدد المحكمين وآلية تعيينهم:
– فرد واحد / هيئة ثلاثية
– التعيين المباشر / المؤسسي / البديل في حال الخلاف -
القانون الواجب التطبيق:
– على الإجراء (مثلاً: قواعد المركز)
– على الموضوع (مثلاً: القانون الفلسطيني، المصري...) -
مكان التحكيم:
– دولة محددة ذات بيئة قانونية ملائمة -
لغة التحكيم:
– عربي / إنجليزي / ثنائي اللغة -
نهائية الحكم وقابليته للتنفيذ:
– “يُعتبر الحكم نهائيًا وملزمًا للطرفين، ويجوز تنفيذه أمام أي محكمة مختصة.”
ثالثًا: الاستناد القانوني للنصوص المنظمة للشرط
-
قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000
"يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، ويجوز أن يكون واردًا في محرر رسمي أو عرفي."
-
قانون التحكيم المصري لسنة 1994
"يُعد اتفاق التحكيم قائمًا إذا ورد في وثيقة موقّعة من الطرفين أو في تبادل مستندات تتضمنه."
-
قواعد الأونسيترال 2021
"The arbitration agreement shall be in writing. It may be in any form, including electronic communication."
-
ICC Rules 2021
"The Court shall accept jurisdiction only when the arbitration clause meets the essential validity requirements."
رابعًا: نماذج واقعية لأخطاء قاتلة في شرط التحكيم
-
"يجوز للطرفين اللجوء إلى التحكيم..."
– بند غير ملزم قضائيًا -
"يُحال النزاع إلى التحكيم، ويُختار المحكم باتفاق لاحق."
– ينهار إذا اختلف الطرفان لاحقًا -
"تُطبّق القوانين السارية دون تحديد."
– غموض في المرجعية القانونية -
"يتم التحكيم أمام مركز تحكيم دولي متفق عليه لاحقًا."
– غياب الجهة يُفقد الشرط قابليته للتنفيذ -
خامسًا: الصيغة النموذجية لشرط تحكيم متكامل
"يتفق الطرفان بموجب هذا العقد على إحالة أي نزاع ينشأ عن تفسير أو تنفيذ أو إنهاء هذا العقد إلى التحكيم، وفقًا لقواعد مركز الوساطة والتحكيم الفلسطيني، ويُعيّن محكّم واحد إذا لم يتجاوز النزاع 500,000 دولار، وهيئة من ثلاثة محكمين إذا تجاوز ذلك، ويُطبق القانون الفلسطيني، وتُعقد جلسات التحكيم في مدينة رام الله، وتكون اللغة المعتمدة هي اللغة العربية، ويُعد الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية نهائيًا وملزمًا، ويجوز تنفيذه أمام أي محكمة مختصة داخل أو خارج فلسطين."
سادسًا: مصطلحات فنية في صياغة الشرط
-
الإحالة القطعية: Binding Referral
-
التحكيم الاختياري مقابل الإجباري
-
الجهة المرجعية للتحكيم: Designated Arbitral Institution
-
التكييف القضائي للشرط: Judicial Interpretation
-
النص التنفيذي: Enforceable Clause
-
الشرط المركب: Multi-tier Clause
-
سابعًا: الكاتب كمهندس وقائي لبنية النزاع
شرط التحكيم هو اللقاح الإجرائي للعقد،
من صاغه بإحكام، حمى أطرافه من صراع القضاء وتناقضاته.
ومن تركه غامضًا، فتح على شركائه أبواب النزاع المسدودة.
الكاتب هنا ليس مسطّرًا للنوايا، بل مُشرّعٌ لعقد خاصّ داخل العقد.