
دار الوساطة والتحكيم الفلسطينية
إعداد محاضر الجلسات التحكيمية – بين الدقة التوثيقية والحياد القانوني
مقدمة: حين تتحوّل الكلمات إلى أثر قانوني دائم
في الجلسة التحكيمية، تُنطق الأقوال، وتُقدّم المذكرات، وتُدار الوقائع.
لكن هذه اللحظات العابرة لا تكتسب حجيتها إلا حين تُوثَّق في محضر الجلسة.
المحضر ليس مجرد سجل، بل هو ذاكرة قانونية ملزمة، تحوّل الإجراءات إلى دليل، والكلمات إلى وقائع، والمواقف إلى مراكز قانونية.كل خطأ في المحضر ليس خطأ إداريًا فقط، بل خطر قانوني يُهدد مشروعية الحكم النهائي.
أولًا: ما هو محضر الجلسة؟ – التعريف القانوني والدلالي
يُعرَّف محضر الجلسة بأنه:
"وثيقة رسمية تصدر عن الهيئة أو أمين السر، تتضمن تسلسلًا دقيقًا لما جرى خلال الجلسة التحكيمية، وتُعتبر جزءًا من ملف الدعوى وقاعدة من قواعد الإثبات الإجرائي."
وهو مُلزم قانونًا متى ما:
-
وُقّع من المحكمين أو من الهيئة مجتمعة
-
أثبت أقوال وطلبات ومرافعات الأطراف
-
وُضعت فيه التحفظات أو الإنذارات أو الاعتراضات
-
لم يُطعن في صحته أو نزاهة تحريره
-
ثانيًا: عناصر المحضر الفني السليم
البيانات العامة:
-
-
رقم القضية
-
تاريخ الجلسة ومكانها
-
اسم المحكم أو الهيئة
-
الحضور من الأطراف ووكلائهم
-
-
الوقائع المدونة:
-
أقوال كل طرف بالترتيب
-
المرافعات أو الطلبات المضافة
-
ردود الأطراف
-
توجيهات الهيئة
-
-
الإجراءات:
-
الإشارة إلى تقديم مستندات
-
إثبات تسليم نسخ
-
استئناف الجلسة أو تأجيلها
-
ضبط الوقت المخصص لكل طرف
-
-
التحفظات (إن وجدت):
-
تسجيل اعتراض الطرف على إجراء ما
-
صيغة التحفظ كاملة دون تغيير
-
توقيع الطرف أو الإشارة لرفضه التوقيع
-
-
الخاتمة:
-
إثبات انتهاء الجلسة
-
بيان الجلسة المقبلة (إن وُجدت)
-
توقيع الهيئة أو رئيسها + توقيع أمين السر
-
ثالثًا: الإطار القانوني للمحضر التحكيمي
-
-
قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000:
"تُدوّن الجلسات في محاضر يوقعها المحكم أو رئيس الهيئة وأمين السر."
-
قانون التحكيم المصري لسنة 1994:
"تُثبت إجراءات الجلسة في محضر يُوقع عليه من الهيئة وأطراف الخصومة."
-
من قواعد ICC Arbitration Rules 2021:
تُشدد على ضرورة حفظ سجل الإجراءات كاملة ضمن ملف الدعوى، مع ضمان الوصول إليه من قِبل الأطراف. -
المن قواعد QICCA – مركز قطر الدولي للتحكيم والتوفيق:
"يُحرر محضر لكل جلسة، ويُعتبر مرجعًا معتمدًا في حال النزاع حول ما جرى."
رابعًا: أنواع المحاضر – تصنيف منهجي
النوع | التعريف | القيمة القانونية |
---|---|---|
محضر الجلسة الإجرائي | يُثبت ما تم خلال الجلسة | يُعتد به في مراقبة حسن إدارة التحكيم |
محضر القرار | يُدوّن فيه قرار الهيئة الإجرائي | ليس حكمًا لكنه ملزم إجرائيًا |
المحضر التقريري | يُحرّره أمين السر كمُلخّص غير معتمد | يُعتبر توثيقًا داخليًا غير ملزم قضائيًا |
خامسًا: الأخطاء الشائعة – متى يُفقد المحضر قيمته؟
عدم توقيع جميع أعضاء الهيئة: يفتح الباب للطعن بعدم الإجماع.
-
اللغة غير المحايدة: استخدام ألفاظ مثل “أصر الطرف الأول على موقف غير مبرر” يطعن بالحياد.
-
عدم إثبات التحفظات: يُعتبر إسقاطًا لحق الطرف في الطعن لاحقًا.
-
التناقض مع قرارات الهيئة: إذا ذُكر تأجيل في المحضر، ثم صدر حكم دون إشارة له، يُهدد ذلك مشروعية الحكم.
وقد قضت محكمة النقض الإماراتية في دعوى تحكيمية سنة 2021 بأن:
"إغفال إثبات اعتراض الطرف على وثيقة تم تقديمها خلال الجلسة يُعد إخلالًا بحق الدفاع ويُوجب إعادة النظر في الحكم التحكيمي."
سادسًا: اللغة القانونية للمحضر – الحياد والدقة
-
بدلًا من: “تجادل الطرف الثاني بعصبية”
استخدم: “أبدى الطرف الثاني ملاحظات مطوّلة على ما طُرح” -
بدلًا من: “رفض الطرف القرار”
استخدم: “أبدى الطرف تحفظًا تم تسجيله بالنص” -
بدلًا من: “تم الاتفاق شفويًا”
استخدم: “صرّح الطرفان أمام الهيئة بما يلي...” -
سابعًا: نموذج مختصر لمحضر جلسة تحكيمية
محضر جلسة رقم (3)
التاريخ: 2025/05/17
الهيئة: المستشار الدكتور (...) رئيسًا
الحضور: الطرف الأول (...)، الطرف الثاني (...)أولًا: بدأت الجلسة الساعة 10:00 صباحًا، وتم إثبات الحضور كما هو مبين أعلاه.
ثانيًا: قدّم الطرف الأول مذكرة رد، وتم تسليم نسخة للطرف الثاني الذي طلب مهلة للرد حتى 2025/05/24.
ثالثًا: أبدى الطرف الثاني تحفظًا على إرفاق مستند مؤرخ في 2019 لم يُذكر سابقًا، وطُلب إثبات التحفظ كما يلي: "أحتفظ بحقي في الاعتراض على ضم هذا المستند لأسباب تتعلق بتاريخه ومصدره."
رابعًا: قررت الهيئة تأجيل المداولة إلى الجلسة المقبلة بتاريخ 2025/06/01.
التوقيع:
رئيس الهيئة: __________
المحكم الثاني: __________
أمين السر: __________ثامنًا: الكاتب كمعماري للذاكرة القانونية للتحكيم
لا يكتفي الكاتب هنا بالشرح، بل يرسّخ مبدأ:
"أن العدالة التي لا تُوثَّق، تُنسى؛ وإن نُفّذت."
فالمحضر هو أثر العدالة بعد الجلسة، وهو أمانة بين يدي الهيئة، تُحرَّر بأعلى درجات الحياد، والإتقان، والوضوح، لتُصبح دليلًا قاطعًا لا رواية عابرة.